image

"اقتصاديات إنترنت الأشياء"

بقلم: الدكتور المهندس غازي الجبور

رئيس مجلس مفوضي هيئة تنظيم قطاع الاتصالات

تقنية انترنت الأشياء  Internet of Things (IoT)تتميز بأنها تتيح للإنسان التحرّر من المكان، مما يعني إمكانية ربط كل ما يحيط بالإنسان من أشياء بما فيها الكائنات الحية والأجهزة والأنظمة....إلخ بشبكة المعلومات وعبر بروتوكول الانترنت، وهي تعتبر أحد أهم معالم الثورة الصناعية الرابعة وذلك لما أتاحته من امكانيات كبيرة في دمج كافة نواحي الحياة الطبيعية والرقمية في مجالات التجارة والصناعة والتعليم  والطب والزراعة وصولًا إلى الأجهزة والأدوات الشخصية، مما كان له الأثر الأكبر في تغيير أسلوب حياتنا مثلما غيرت الثورات الصناعية الثلاثة حياة البشر، الآلة البخارية، إكتشاف الكهرباء، وثورة الالكترونيات والحواسيب.

تنتقل المعلومات بين أجزاء منظومة إنترنت الأشياء حسب مهام أجزائها ومجالاتها، ففي البيوت تكون كاميرات الحماية ووسائل اللهو، والمراقبة الصحية للأشخاص، وأجزاء البيت الذكي، وفي قطاع النقل ستكون في مواقف السيارات، إدارة الطرق الذكية، إدارة التزويد اللوجستي، سيارات القيادة الذاتية، وعلى المستوى الوطني فان إدارة الشبكة الوطنية للكهرباء، مراقبة الكوارث والفيضانات، مكافحة الحرائق، وإدارة خدمات الكهرباء، المدن الذكية جميعها أجزاء من منظومة انترنت الأشياء.

تشير الدراسة الصادرة حديثا عن موقع (Machina Researche  ) بأن عدد الأشياء المرتبطة بالشبكات قد فاق عدد سكان الأرض، فقد بلغ في العام 2016 ما مجموعه (6) مليار شيء،  ومن المتوقع أن يصل العدد الى (27) مليار شيء في عام 2025. لقد جعلت إنترنت الأشياء الكثير من الأمور التي كانت تعد ضرباً من ضروب الخيال حقيقة واقعة، ومن المتوقع أن يصبح انترنت الأشياء مستقبلاً حاجة ملحّة لا يمكن الاستغناء عنها في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء، حيث ستعتمد حياتنا المستقبلية وبشكل كبير على الفرص والمجالات الجديدة التي سيوفرها تطبيق إنترنت الأشياء في مختلف جوانب الحياة، والذي سيجعل من الخدمات الحالية المتوفرة بالرغم من تقدمها متواضعة أمام ما سيكون في العقود القادمة، وبكلف معقولة وفي متناول الكثيرين.

عند التطرق للأثر الاقتصادي لتطبيق إنترنت الأشياء فان الدراسات الصادرة عن الشركة الاستشارية (Mackinsey & Company2015) أشارت بأن القيمة المضافة المتأتية من التوسع في تطبيق انترنت الأشياء للاقتصاد العالمي تقدر ما بين 3,9 - 11 ترليون دولار، وتعتمد حصص الدول فيها حسب استراتيجياتها في تبني وتطبيق إنترنت الأشياء، حيث اعتمدت بعض الدول هذا المفهوم وضمنته في خططها الاستراتيجية الوطنية مثلما فعلت الصين التي جعلت من إنترنت الأشياء غاية ضمن استراتيجيتها الوطنية للأعوام 2011-2015. لذلك سوف تسيطر الصين على ما نسبته 21% من حجم سوق انترنت الأشياء العالمي، متفوقة على الولايات المتحدة التي ستبلغ نسبة سيطرتها بما يقدر بـ 20% ، كما أشارت الدراسة ذاتها الى أن تطبيق إنترنت الأشياء من شأنه أن يحقق قيم مضافة الى القطاعات الرئيسية في الدول النامية.

ولقياس أثر تطبيق إنترنت الأشياء على الدول النامية اعتمدت الدراسة علاقة رياضية قائمة على احتساب نسبة مساهمة الدولة من مجموع الناتج الإجمالي العالمي مضروباً بنسبة أقّرتها الدراسة لقياس الأثر على الدول النامية  Developing  Country Factor (DCF)والمقدرة بـ 40% ومن ضمنها الأردن، آخذين بعين الاعتبار أن محصلة الناتج العالمي الاجمالي المتأتي من استخدام إنترنت الأشياء والتوسع في استخدام تطبيقاته تقدر ما بين 3.9 تريليون في حدها الأدنى و 11 تريليون في حدها الأعلى.

إذا أردنا الحديث محلياً فإن الأردن يمتاز بمجموعة من الميزات النسبية من حيث انتشار خدمات الاتصالات ووجود مجتمع شاب مؤهل، حيث احتل الأردن وحسب تقرير البنك الدولي المركز الأول في تقرير التنمية في منطقة الشرق الأوسط متقدما على 12 دولة عربية إضافة الى إيران والذي يؤهله لتقديم خدمات  IoT))، حيث تصدرت الأردن والكويت في عام 2016 قائمة الدول المقدمة لخدمات الإنترنت، وحسب ما جاء في الدراسة الصادرة عن (المرشدون العرب 2015).

إن أخذ هذه المميزات بعين الاعتبار عند قياس أثر تطبيق إنترنت الأشياء على الاقتصاد الأردني بإتباع المعادلة المعتمدة في دراسة ( Mackinsey & Company2015)، فانه ونتيجة للميزات النسبية التي يمتلكها الأردن والتي تم ذكرها أعلاه أضف إلى ذلك نسبة مساهمة الأردن من الناتج الإجمالي العالمي في العام 2015 والتي بلغت 0,007 %،  فاذا استمرت ضمن هذا المعدل للأربع سنوات القادمة، فإنه وبحلول العام 2020 من المتوقع أن يوفر الاقتصاد الأردني قيم مضافة الى اقتصاده الوطني نتيجة الى تطبيقه إنترنت الأشياء بتوسع في القطاعات الرئيسية ومنها الزراعة والصناعة والكهرباء والمياه والنقل والتخزين والاتصالات، بالإضافة إلى منتجو الخدمات الحكومية (التعليم والصحة) بما يقدر بين 0.5 – 1 مليار دينار، حيث تبلغ نسب الزيادة المتوقعة لمساهمة القطاعات المذكورة في الناتج القومي الاجمالي الأردني مقارنة مع ما هي عليه في العام 2015 ما نسبته 2.4% في حدها الأدنى الى 6.75% في حدها الأعلى.

في هذ الإطار لابد من الإشارة إلى الجهود التي تبذلها هيئة تنظيم قطاع الاتصالات لغاية تفعيل إطار تنظيمي لإنترنت الأشياء، حيث قامت بإعداد الورقة الخضراء (الاستشارية) والتي تغطي كافة جوانب إنترنت الأشياء، بالإضافة إلى تعديل الخطط الرقمية لاستيعاب هذه الخدمات والتي تحتاج عشرات الملايين من الأرقام بالإضافة الى العمل الدؤوب على توفير الطيف الترددي اللازم، وسوف تكون الأردن من أول الدول التي ستوفر البيئة التنظيمية والفنية اللازمة لاستيعاب هذه التكنولوجيا.

وعلى الرغم مما تقدمه هذه التقنية من فوائد ومميزات علينا أن لا نغفل عن أمر غاية في الأهمية يتمثل في عدم وجود بيئة آمنة تضمن عدم التعرض للقرصنة وحوادث انتهاك الخصوصية عند استخدام هذه التقنية، ومن هذا المنطلق فمن الضروري، بل وإلزماً علينا أن نفكر ونعمل على ابتكار حلول وأساليب لمواجهة هذه المخاطر، ومحاولة السيطرة عليها قدر المستطاع، ولعل ظهور تقنية الـ (Li-Fi) أو ما يسمى اتصالات الضوء المرئي والتي تعتبر البديل لتقنية الـ (Wi-Fi) التقليدية، سيساهم بشكل كبير في تجاوز هذه المشكلة  إذا تم استخدامها، وذلك لاعتماد هذه التقنية على الضوء المرئي والذي يجعل عملية نقل البيانات محصور في المساحة التي يصلها الضوء وبالتالي سيقلل من امكانية قرصنة المعلومات أو اختراقها بسهولة.

إننا بلا شك مقبلين على حقبة جديدة من الممكن أن نطلق عليها عصر "انترنت الاشياء" تحمل في طياتها الكثير من التطور والارتقاء في نوعية حياة البشر، وعلى الرغم أننا بدأنا فعلياً في تلمس نتائجها، إلا اننا مازلنا في البدايات، وعلينا أن نكون على درجة كافية من الوعي والاستعداد للاستغلال الأمثل لهذا التطور وبما لا ينعكس سلباً على حياتنا البشرية.